بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
القرآن الكريم و علومه : تاريخ و تعريف .
1 – القرآن الكريم ( مبحث التعريف ) :
أ – المعنى اللغوي و الاشتقاقي لكلمة "قرآن" .
القرآن : و يقال فيه القرآن بدون همزة كما هي قراءة ابن كثير و هي قراءة اهل مكة و و هو قولالإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
القرآن بالهمز يمكن أن يقال فيه هو مصدر من القراءة قال حسان بن ثابت رضي الله عنه :
ضحَّوا بأشمط عنوان السجود به يُقَطِّع الليل تسبيحا و قرآنا
فسمَّى القراءة قرآنا .
ولا شك أن الأصل
في هذه اللفظة من جهة الفعل قرأ و قرأ تدور بجميع استعمالاتها و معانيها
في كلام العرب على معنى و احد فقط و كل المعاني التي يذكرها أصحاب المعاجم
اللغوية ترجع الى هذا المعنى وهو الضم و الجمع . فإذا قلت القراءة و
القرآن فإن ذلك لاجتماع الحروف لتكوِّن
الكلمات و لاجتماع الكلمات لتكون الآيات و لاجتماع الآيات لتكون السور و
هكذا . ثم ما فيه أيضا من اجتماع المعاني : القصص و الأخبار و العقائد و
الأحكام ومما الى ذلك من الأمور التي جمعها الله في كتابه ؛ فهي مجكموعة
في هذا القرآن . وكذلك إذا قلنا القُرْء الذي هو الحيض فإنما قيل له ذلك
لان الدم يجتمع في داخل الرحم . و القرىن يمكن أن يكون قيل له ذلك لمراعات
هذا المعنى لأن الله جمع فيه ثمرات الكتب السابقة ، او لأن الله جمع فيه
من ألوان الهدايات و العلوم و المعارف التي يحتاج اليها السالك الى ربه
تبارك و تعالى وهذه الأمور لا منافات بينها فكلها صحيح .
ب – تعريف "القرآن" : اصطلاحا : شرح عناصر التعريف .
لم يضع المتقدمون تعريفا للقرآن بل اكتفوا بالتكلم عن احكامه و عن بيان السنة له ، ونحو ذلك .
ومن أول من عرّفه تعريفا اصطلاحيا الغزالي (ت:505)
قال في كتابه المستصفى: وَحَدُّ الْكِتَابِ مَا نُقِلَ إلَيْنَا بَيْنَ
دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةِ
نَقْلًا مُتَوَاتِرًا .
و قال الشيخ الموفق ابن قدامة في روضة الناظر : وكتاب
الله -سبحانه- هو كلامه، وهو القرآن الذي نزل به جبريل -عليه السلام- على
النبي -صلى الله عليه وسلم-... وهو: ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلًا
متواترًا.
و قال الشوكاني في ارشاد الفحول: وَأَمَّا حَدُّ
الْكِتَابِ اصْطِلَاحًا: فَهُوَ الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ عَلَى
الرَّسُولِ، الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ، الْمَنْقُولُ إِلَيْنَا
نَقْلًا مُتَوَاتِرًا. ثم اختار ان يقال : هُوَ كَلَامُ اللَّهِ
الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمَتْلُوُّ الْمُتَوَاتِرُ.
وهذه التعاريف وغيرُها من التعاريف التي ذكرها المعاصرون المقصود منها تقريب القرآن و بيانُ خصائصه ...
يقول الدكتور عدنان محمد زرزور في كتابه " علوم
القرآن مدخل إلى تفسير القرآن وبيان اعجازه"( ص : 46): أما ما ذكره
العلماء من تعريف القرآن ـ اصطلاحا ـ بالأجناس والفصول ، لتمييزه عما عداه
مما قد يشاركه في الإسم ــ ولو توهما ــ ذلك أن سائر كتب الله تعالى ، و
الأحاديث القدسية ، و بعض الأحاديث النبوية ، تشارك القرآن في كونها وحيا
إلاهيا ، فربما ظُنّ أنها تشاركه في اسم القرآن أيضا ، فأرادوا بيان
اختصاص الاسم به ببيان صفاته التي امتاز بها عن تلك الأنواع . اهـ
لذلك زاد بعضهم أوصافَ أخرَ من قبيل الاعجاز، أوالتعبد بالتلاوة ، أو الحفظ في الصدور ....
وقداخترت تعريفا مختصرا ذكره الشيخ خالد السبت في
كتابه " مناهل العرفان للزرقاني دراسة و تقويم " قال ــ حفظه الله ــ
:القرآن هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم بواسطة جبريل ،
المعجز بأقصر سورة منه .
ووصفه بأنه جامع مانع .
قولنا كلام الله أخرج غيره من كلام الملائكة و الجن و
الانس و أخرج الأحاديث القدسية على القول بأن الفاظها من النبي صلى الله
عليه و سلم ومعانيها من الله عز وجل .
المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم أخرج ما أنزل على غيره من الأنبياء .
المعجز بأقصر سورة منه أخرج الأحاديث القدسية بناءا على القول بأنها كلامُ الله لفظا ومعنى .
ج – أسماء القرآن و دلالاتها :
ذكر الزركشي و السيوطي للقرآن خمسا و خمسين اسما و كلاهما نقل ذلك عن كتاب البرهان لأبي المعالي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ .
قال الزركشي ــ رحمه الله ــ :
النوع الخامس عشر: معرفة أسمائه واشتقاقاتها
وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ الْحَرَالِيُّ جُزْءًا
وَأَنْهَى أَسَامِيَهُ إِلَى نَيِّفٍ وَتِسْعِينَ ، وَقَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْمَعَالِي عَزِيزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَحِمَهُ اللَّهُ
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْقُرْآنَ بِخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ
اسْمًا
وقال السيوطي ــ رحمه الله ــ :
النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ سُوَرِهِ .
قَالَ الْجَاحِظُ: سَمَّى اللَّهُ كِتَابَهُ اسْمًا
مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى الْعَرَبُ كَلَامَهُمْ عَلَى الجملة
وَالتَّفْصِيلِ. سَمَّى جُمْلَتَهُ قُرْآنًا كَمَا سَمَّوْا دِيوَانًا
وَبَعْضُهُ سُورَةٌ كَقَصِيدَةٍ وَبَعْضُهَا آيَةٌ كَالْبَيْتِ وَآخِرُهَا
فَاصِلَةٌ كقافية.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ المعروف بشَيذلة فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: اعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ سَمَّى الْقُرْآنَ بِخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ اسْمًا . اهـ.
وقد ذكرا هذه لأسماء مع ذكر الآية التي وردت فيها في كتاب الله.
وسأكتفي بذكر خمسة اسماء وهي :
" القرآن:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}الإسراء: 9.
والكتاب : {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}الأنبياء: 10.
والفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}الفرقان: 1.
والذكر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر: 9.
والتنزيل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الشعراء: 192.
وقد غلب من أسمائه: القرآن والكتاب ؛ قال الدكتور
محمد عبد الله دراز: "رُوعِيَ في تسميته ؛ قرآنًا كونه متلوًّا بالألسن،
كما رُوعِيَ في تسميته ؛ كتابًا كونُه مدوَّنًا بالأقلام، فكلتا التسميتين
من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه" مباحث في علوم القرآن لمناع القطان
(ص:18).
2 – الدراسات القرآنية :
أ – المفهوم و النشأة و التطور .
علوم القرآن تتركب من جزئين نسلك في تعريفه مسلكين :
المسلك الأول تعريف الجزئين على سبيل الإفراد :
فنقول : العلوم جمع علم و العلم لغة نقيض الجهل
(العين 2/153) قال ابن فارس : الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ
صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى أَثَرٍ بِالشَّيْءِ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ
غَيْرِهِ.
وفي الاصطلاح : "العلم إدراك الشيئ على ما هو عليه "
شرح نظم الورقات ابن عثيمين ص : 45 أو هو " الإعتقاد الجازم المطابق
للواقع " مناهل العرفان دراسة و تقويم ص : 13.
أما لفظ القرآن فقد مر معنا تعريفه .
المسلك الثاني تعريفه باعتباره لقبا لهذا الفن :
يقول صاحب كتاب علوم القرآن بين البرهان و الإتقان
ص-26: لم أجد من المتقدمين من عرّف علوم القرآن بوصفه اللقبي، أي كونه
علما على المباحث الكلية الجامعة التي تتعلق بالكتاب الكريم .
وقال الشيخ السبت : لم أجد لأحد من المتقدمين تعريفا
له بهذا الاعتبار ، و إنما وجدت ذلك لبعض المعاصرين ، حيث حاولوا تعريفه
بمفهومه الشامل ، فجاءت تعريفاتهم متقاربة في المعنى مع بعض التفاوت في
الألفاظ . كتاب مناهل العرفان دراسة و تقويم ص : 17
ثم ذكر اربعة تعاريف و اختار الأخير منها وهو : علوم
القرآن هو "علم يضم أبحاثا كلية هامة ، تتصل بالقرآن العظيم من نواحي شتى
، يمكن اعتبار كل منها علما متميزا " نفس المصدر ص : 19